في نوفمبر الماضي، بعد فترة قصيرة على وفاة والدته، كان من المقرر أن يحضر الملك الجديد تشارلز الثالث مؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ «كوب27» في مدينة شرم الشيخ المصرية من أجل إلقاء خطاب مهم. وكانت هذه الزيارة إلى مصر ستكون أول زيارة له إلى الخارج كملك. ولكن فجأة أُلغيت الزيارة بسبب معارضة رئيسة الوزراء المحافظة الجديدة أيضا ليز تراس، التي خلفت بوريس جونسون، لها. 
تراس، التي أصبحت رئيسة للوزراء ثم انهارت حكومتها، لم تكن مشهورة بنشاطها المناخي. تحدثت مع تشارلز وأبلغته بمعارضتها للزيارة. ورغم أن تلك المعارضة لم يعلن عنها رسميا، إلا أن المرء لا يسعه إلا افتراض أنها كانت سياسية. ولأنه مطلوب من الملك أن يكون فوق السياسة، وينبغي له الحصول على موافقة الحكومة على أي زيارة دولية، فإن الخطة أُلغيت. 
العالم على وشك رؤية كل ذلك البريق يعرض خلال تتويج تشارلز يوم 6 مايو. ولكن ماذا لو كان هدف الملك الجديد – الزيارة إلى مصر – مؤشراً على فترة حكم تتجاوز كل حلقات مسلسل ويندسور الدرامية الأخرى؟
إن الطريقة التي يستطيع بها تحقيق ذلك، هي عبر إعلان أن أزمة المناخ ليست موضوعاً سياسياً وإقناع الجمهور البريطاني بذلك. والحق أنها ليست كذلك بالفعل. وإن كان لها أن تكون شيئاً ما، فهي موضوع روحي. فمنكرو تغير المناخ يريدون أن يجعلوها مرتبطة بالسياسة، ولكن أجندتهم الحقيقية تتعلق بالمال نظراً لأن الإجراءات المناخية قد تضر بالمؤسسات والشركات الكبيرة على المدى القصير. 
في 2015، ألقى تشارلز حين كان أميراً الخطاب الافتتاحي في مؤتمر «كوب21» في باريس، محذراً من أنه «بتدمير مناخنا، نصبح مهندسي دمارنا وخرابنا». ومرة أخرى في مؤتمر «كوب26» في جلاسجو في 2021، ألقى تشارلز خطاباً افتتاحياً آخر يقترح «حملة كبيرة على النمط العسكري» ضد تغير المناخ. 
والحق أن تشارلز كان ناشطاً متفانياً في الدفاع عن البيئة معظم حياته، وقام بتعديل سيارته «آستون مارتن» حتى تسير بالوقود العضوي. 
إنه يدرك جيداً الانتقادات، وقد تحدث عدة مرات منذ وفاة والدته عن تغيير بعض الإقامات الملكية – قلعة بالمورال، وقلعة ويندسور، وقصر باكينجهام – من فضاءات خاصة إلى فضاءات عامة. وبخصوص قصر باكينجهام، مقر إقامة والدته، قال إن «صيانته غير مستدامة، سواء من ناحية الكلفة أو البيئة». 
والواقع أن تشارلز في وضع يسمح له بالتأثير على الناس. فهو منخرط في العديد من المبادرات المناخية، مثل «مبادرة الأسواق المستدامة» لدفع الشركات نحو سياسات صديقة للمناخ. كما اقترح «تيرا كارتا»، وهي عبارة عن مجموعة من المبادئ لجعل الاستدامة في صلب نشاط الشركات. 
وتقول آن فينوكن النائبة السابقة لرئيس «بانك أوف أميركا» والعضو في «مبادرة الأسواق المستدامة»: «إن الملك تشارلز كان فعالاً جداً في ربط المنظمات غير الحكومية بمجتمع الشركات والأعمال». 
وبالتالي فهذه هي فرصة الملك لتأسيس دور له كزعيم روحي براغماتي. فحين سيتم تتويجه، سيقبل دوره كـ«مدافع عن الدين»، وإن كان أعلن أنه سيكون «المدافع عن الأديان» (بما في ذلك «الأشخاص الذين لا دين لهم»)، ليسير بذلك على خطى الملكة، التي كانت تدرك جيداً المجتمع متعدد الثقافات الذي تترأسه. وتشارلز هو أيضاً الرئيس الأعلى لكنيسة إنجلترا، التي سبق لها أن صوّتت لتحقيق مستوى صفر انبعاثات للغازات المسببة للاحتباس الحراري لأنشطتها بحلول 2030. ويقول بيان للكنيسة: «إننا نؤمن بأن الرد على أزمة المناخ جزءٌ أساسي من مسؤوليتنا لحماية خلق الله وتحقيق عالم عادل». 
وخلاصة القول إن تشارلز يستطيع نقل الملكية في اتجاه جديد. وينبغي أن يواصل الالتزام بفعل كل ما في وسعه من أجل إنقاذ الكوكب. في دراسة تعود إلى 2021 للأشخاص الذين يتمتعون بـ«وضع اجتماعي واقتصادي مرموق»، وجدت دورية «نيتشر إينيرجي» أنه لئن كان أعضاء هذه الطبقة يساهمون بشكل مفرط في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري كمستهلكين، فإنهم يستطيعون أيضاً الاضطلاع بدور مهم في التخفيف منها – من خلال أدوارهم كمواطنين نشطين، ومستثمرين، ونماذج مجتمعية يحتذى بها، ومشاركين تنظيميين. والواقع أن تشارلز تجتمع فيه معظم هذه المواصفات، وينبغي عليه أن يواصل القيام بذلك من خلال تقليص حجم الملكية. وشخصياً، أعتقدُ أنه يستطيع إحداث فرق كبير وسيُحدثه. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»